الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الأحد يوليو 04, 2010 11:12 am
انتهى العام الدراسي، وأقبلت الإجازة الصيفية، التي تُعدّ (كابوساً) على
الكثير من الأسر، فالأبناء طاقة وحيوية تحتاج إلى قنوات لتصريفها. ولذا
يعاني الكثير من الأسر من كيفية ملء فراغ أبنائها وبناتها الذي يقارب ثلاثة
الأشهر فإن حجم وقت الفراغ كبير جداً، ومن الممكن أن يكون فرصة للاستفادة
والتطوير، وقد يكون عكس ذلك.
والواقع يقول: إن اختيارات أبنائنا تظهر جلية في أوقات الفراغ، فالبعض
يقضي هذا الوقت ممددًا على الأريكة أمام التلفاز يستهلك ما يراه بصريًّا،
ومستقبِلاً لكل ما يُلقى على عينه ورأسه، ناهيك عن محتوى ما يراه، إذ إنه
إرسال يتنافس على المزيد من برامج الإثارة والسطحية. والكارثة أن هناك
قطاعاً من أبنائنا - في غياب دور الأسرة التربوي - يضبط طبق الاستقبال على
القنوات التي تعرض الأفلام المشبوهة.
والبعض الآخر يقضي وقت الفراغ في الشارع، وهؤلاء هم حزب السائرين بدون
هدف، وحزب الجالسين، الذين يُدَخِّنون النرجيلة (الشيشة) التي انتشرت
كالوباء في مجتمعاتنا، وجماعة الجالسين في المطاعم كل يوم في مكان سعيًا
وراء شهوة البطن.
ومن أبنائنا الطلاب من استغنى عن كل ذلك بجهاز الكومبيوتر، وليته يسعى
بحثاً عن معلومة أو سعياً وراء معرفة جديدة، بل ليدور في دوائر المواقع
الهدّامة.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن من أبنائنا من تربى على الصلاح وأصبح قلبه
معلقاً بالمساجد، ولكن ما إن تنتهي الصلاة حتى تغلق أبوابها في وجهه،
فقليلة هي المساجد التي لا تغلق أبوابها، وتقدم البرامج الثقافية، ودروس
تحفيظ القرآن الكريم وتنظم المسابقات.
ومن اللافت أن نعلم أنه قد صدر عام 1970م ميثاق الفراغ الدولي في جنيف،
حينما اجتمعت ست عشرة دولة أصدرت الميثاق، وكذلك تم تأسيس الاتحاد الدولي
لأوقات الفراغ ومقره نيويورك، لكن المؤكد أنه قبل هذه المواثيق بألف
وأربعمائة سنة خلت، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجّهنا بدعوة
تربوية صريحة للاستفادة من وقت الفراغ بقوله - صلى الله عليه وسلم - من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «اغتنم خمساً قبل خمس، وفيه: شبابك قبل هرمك،
وفراغك قبل شغلك». [رواه الحاكم وصححه].
وفي السياق نفسه يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع»
وذكر منها: «عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه».
[رواه الترمذي عن أبى بردة].
الفراغ أساس الانحراف
يقول د. عبد الله فاضل أستاذ الصحة النفسية: إن أضرار الفراغ على النشء
والمجتمع، وما قد يسببه من جنوح وانحراف لهؤلاء الفتية واضحة غير خفية،
فالفراغ ينعكس على صورة الفرد عن ذاته، إذ يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى وبلا
منفعة، أصبح إنساناً بلا هدف، وحياة بلا روح، ولا معنى لوجوده، مما يجعله
يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسية، بعيداً عن المواجهة وتحمّل
المسؤولية، فنجده قد يستخدم المسكرات والمخدرات، والبحث عن الرذيلة علَّه
يجد متعة أو لذة.
ولقد بيّنت الأبحاث والدراسات التي أُجريت على مرتكبي الجرائم والمخالفات
أن الفراغ هو المحرك لكل النوازع المكبوتة، والرغبات الشهوانية.
نحو تخطيط متكامل
يرى د. مسعد عويس ـ رئيس جهاز الرياضة المصري سابقاً ـ أن كيفية قضاء
الإجازة الصيفية بشكلٍ مفيدٍ يملأ الفراغ، ويحرك الطاقات، لا يشغل الطلاب
وأسرهم فقط ، بل تتنافس المؤسسات المعنية على وضع برامج لهذا الغرض، وتحرص
هذه المؤسسات على ألاّ تخلو البرامج من الترفيه بعد عامٍ دراسي طويل، لكنه
الترفيه الممزوج بالمتعة والفائدة.
ويطالب د. مسعد عويس بأن يكون تخطيط برامج العطلة الصيفية لأبنائنا من
الصغار والكبار مؤهلاً لبناء طفل، ومراهق، وشاب قادر على خدمة مجتمعه، من
خلال الدورات التدريبية، والاجتماعية، والثقافية، والصحية، والفنية،
والاستشارات الأسرية، واستخدام أفضل أساليب توصيل المعلومات، والتركيز على
القيم، والتميز في خدمة الوطن، والسعي إلى استغلال وقت أبنائنا خلالَ
العُطلة الصيفية، وإخراجهم من جو المدرسة إلى جو المرح، والرفاهية،
والمعرفة، وتنمية روح التعاون بين الجميع.
ما أحوجنا إلى مثل هذه المشاريع التي تساهم إسهاماً فعّالاً في تنمية
مهارات وإبداعات أولادنا، واستغلال فترة الإجازة في المعرفة، وتشغيل
اليدين، والحواس بالعمل والنشاط، الذي أصبح يفتقده الكثير من أولادنا مع
الثورة التكنولوجية التي دخلت في جميع مجالات حياتنا.
ولا سيما لو تم تفعيل دور المدرسة والمعلم، من خلال دورات للتواصل ما بين
المدرسة والمدرس، ، واستعراض المهارات المختلفة، وكذلك عن طريق دورات
لمعرفة السيرة النبوية، وحفظ القرآن الكريم يكون لها جوائز جيدة.
وينبغي تصميم برنامج ترفيهي يحتوي على برنامج رياضي كامل، وزيارات ميدانية
لبعض المؤسسات الخاصة، والعامة.
ويطالب د. مسعد عويس بإقامة معسكرات عمل للشباب للتدريب العسكري في فترات
إجازتهم، لتُنمِّي فيهم روح البطولة، ولتكونَ بمثابة متنفس نظيف لطاقاتهم
المخزونة في كيانهم.
دراسات ضرورية
د. فوزية مصطفى ـ أستاذ علم الاجتماع ـ تقول: نتطلع إلى دراسة أو أكثر في
كل دولة عربية على حِدَة، للتعرّف على حجم مشكلة الفراغ بين الشباب
والفتيات وأسبابها، والتعرّف على الأماكن التي يفضل الشباب والفتيات
التردّد عليها لشغل وقت فراغهم، والتعرف على نوعية الأنشطة التي يفضل
الشباب والفتيات ممارستها لشغل وقت الفراغ، والتعرف على بعض الاتجاهات
التربوية في تنشئة الأبناء والبنات، وتحديد أهم حاجات شباب وفتيات دولنا
العربية لقضاء وقت الفراغ، والتعرف على طبيعة الدور الذي تقوم به المؤسسات
الشبابية بهذه الدول، والتعرف على البرامج المخصصة للموهوبين وذوي
الاحتياجات الخاصة والجانحين، من أجل الإجابة على التساؤلات التالية: هل
يعاني شباب وفتيات دولنا العربية من مشكلة قضاء وقت الفراغ؟ إذا كان الأمر
كذلك: فما هو حجم تلك الظاهرة؟ وما هي الأماكن والأنشطة التي يفضل الشباب
والفتيات قضاء وقت فراغهم فيها؟ وما درجة استفادة الشباب والفتيات من
المؤسسات الشبابية القائمة لقضاء أوقات فراغهم؟
اهتمام خاص بالأطفال
أما الطفل الذي حصل على الإجازة، فهناك أنشطة تؤدي إلى تنمية ذكائه،
وتساعده على التفكير العلمي المنظم وسرعة الفطنة والقدرة على الابتكار.
من هذه الأنشطة - كما يذكر د. نبيل صبحي - مجموعة من الألعاب الذكية
المُنتقاة، التي لها دور تعليمي، فهي تنمي القدرات الإبداعية لأطفالنا.
فمثلاً ألعاب تنمية الخيال، وتركيز الانتباه، والاستنباط والاستدلال،
والحذر، والمباغتة، وإيجاد البدائل لحالات افتراضية متعددة، تساعد الأطفال
على تنمية ذكائهم.
ويجب الاهتمام أيضاً بالقَصص، فتنمية التفكير العلمي لدى الطفل يُعَدّ
مؤشراً هاماً للذكاء وتنميته، والكتاب العلمي يساعد على تنمية هذا الذكاء،
فهو يؤدي إلى تقديم التفكير العلمي المنظم في عقل الطفل، وبالتالي يساعده
على تنمية الذكاء والابتكار، ويؤدي إلى تطوير القدرة العقلية للطفل.
والكتاب العلمي لطفل المدرسة يمكن أن يعالج مفاهيم علمية عديدة تتطلبها
مرحلة الطفولة، ويمكنه أن يحفز الطفل على التفكير العلمي، كما أن الكتاب
العلمي هو وسيلة لأن يتفكر ويتمعن الطفل ببعض المفاهيم العلمية، وأساليب
التفكير الصحيحة والسليمة.
كما أن الرسم والزخرفة يساعدان على تنمية ذكاء الطفل، وذلك عن طريق تنمية
هواياته في هذا المجال، من خلال تقصّي أدق التفاصيل المطلوبة في الرسم،
بالإضافة إلى تنمية العوامل الابتكارية لديه عن طريق اكتشاف العلاقات
وإدخال التعديلات.
ضرورة الاهتمام بالرياضة
يقول د.حامد زهران أستاذ التربية: إن الابتكار يرتبط بالعديد من المتغيرات
مثل التحصيل، والمستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والشخصية، وخصوصاً النشاط
البدني، بالإضافة إلى جميع النشاطات الإنسانية، فالابتكار غير مقصور على
الفنون أو العلوم، ولكنه موجود في جميع أنواع النشاط الإنساني والبدني،
فالمناسبات الرياضية تتطلب استخدام جميع الوظائف العقلية، ومنها عمليات
التفكير، فالتفوق في الرياضة (مثل الجمباز والغطس على سبيل المثال) يتطلب
قدرات ابتكارية، ويُساهم في تنمية التفكير العلمي، والابتكاري، و تنمية
الذكاء لدى الأطفال والشباب.
والاهتمام بالتربية البدنية السليمة مطلوب، وكذلك النشاط الرياضي مطلوب من
أجل صحة أطفالنا، ومراهقينا، وشبابنا، وصحة عقولهم، وتفكيرهم، وذكائهم.
ولذلك فإن الاشتراك في الأنشطة الرياضية بمختلف أشكالها، يساعد حتماً في
تنمية حب ممارسة الرياضة في نفوس الأبناء، فالرياضة لها دورٌ كبيرٌ في زرع
الثقة بالنفس وقوة الشخصية وتكوين عَلاقات اجتماعية جيدة، وشغل أوقات
الفراغ بما يفيد.
وللرياضة أثرٌ بالغ في البُعد عن أصدقاء السوء، ولها أثر واضح في زيادة
الثقة بالنفس، وأيضاً تقيهم من الانحرافات السلوكية، ومن تعاطي المخدرات،
فممارسة الرياضة تجعل الإنسان مهتماً بصحته، وتدعو إلى زرع الثقة بالنفس،
وقوة الشخصية، مما يعزز من قوته في محاربة هذه الآفة.
كما أن الاهتمام بممارسة الرياضة هو من الأمور التي دعانا إليها ديننا
الحنيف، فقد قال تعالى : {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ} [القصص:26]، وقال عمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
استغلّوا أوقات فراغهم فنبغوا
يذكّرنا المهندس محمود صميدة بأن هناك الكثير من العلماء العالميين الذين
استغلوا أوقات فراغهم فنبغوا، وابتكروا، وأدهشوا العالم، فقد كان (تشارلس
فروست) إسكافياً، ولكنه استطاع أن يصبحَ من البارزين في الرياضيات بتخصيص
ساعة واحدة من يومه للدراسة.
وكان (جون هتنر) نجاراً، ثم شرع يدرس التشريح المُقارن في أوقات فراغه،
مخصصاً لنومه أربع ساعات فقط من الليل، حتى أصبح حجة في هذا الميدان.
واستطاع (سير جون لايوك) أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل - بوصفه مديراً
لأحد المصارف - ساعاتٍ يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح عَلَماً بين
المؤرخين.
وتعلم (جورج ستيفنسون) الحساب في أوقات نوباته الليلية، وتمكن مستعيناً
بهذا العلم أن يخترع القاطرة.
ودرس (جيمس واط) الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة، فأمكنه أن
يخترعَ محرك البخار.
الإسلام ووقت الفراغ
يقول الشيخ مصطفى أبو العلا: الفراغ وحش مخيف يفترس الإنسان العاطل، وهو
من أقوى أسلحة الشيطان ضد الشباب. والمجتمعات التي لا تستثمر شبابها، إنما
هي مجتمعات تنتحر انتحاراً بطيئاً.
ويوجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النظر إلى أن الوقت من النعم التي
لا يشعر بها الإنسان فيقول كما عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
والأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ، بمعنى عدم العمل، لا
للدنيا ولا للآخرة، فحياة المسلم كلها عبادة، فهو مطالب بملء الوقت كله في
عبادة الله، بمعناها الشمولي العام لجميع جوانب الحياة، حيث تصبح جميع
جوانب حياة المسلم تعبدية إذا اقترنت بالنية الصالحة، في العمل، أو الفكر،
أو السكون، أوالحركة، أو الجــد، أو المــرح، أو القتال، أو اللــهو، أو
الأكــل، أو الشرب، أو النوم، أو العلم، أو غيرها من الأعمال.
إلاّ أن واقع المسلمين بشكل عام يشهد بضد ذلك، وكل متأمل لواقع الأمة يرى
أن الفراغ في المجتمع الإسلامي الحديث أصبح عمرًا مُهدرًا، بل وعبئًا على
حركة المجتمع نحو التقدم. فهو يمثل طاقة استهلاكية، أو يغذيها، أو يمهّد
لها سُبُلها دونَ أن يقابلَها بدفعة إنتاجية، أو تنمية ماهرة، أو إبداع
فكري جديد.
الكثير من الأسر، فالأبناء طاقة وحيوية تحتاج إلى قنوات لتصريفها. ولذا
يعاني الكثير من الأسر من كيفية ملء فراغ أبنائها وبناتها الذي يقارب ثلاثة
الأشهر فإن حجم وقت الفراغ كبير جداً، ومن الممكن أن يكون فرصة للاستفادة
والتطوير، وقد يكون عكس ذلك.
والواقع يقول: إن اختيارات أبنائنا تظهر جلية في أوقات الفراغ، فالبعض
يقضي هذا الوقت ممددًا على الأريكة أمام التلفاز يستهلك ما يراه بصريًّا،
ومستقبِلاً لكل ما يُلقى على عينه ورأسه، ناهيك عن محتوى ما يراه، إذ إنه
إرسال يتنافس على المزيد من برامج الإثارة والسطحية. والكارثة أن هناك
قطاعاً من أبنائنا - في غياب دور الأسرة التربوي - يضبط طبق الاستقبال على
القنوات التي تعرض الأفلام المشبوهة.
والبعض الآخر يقضي وقت الفراغ في الشارع، وهؤلاء هم حزب السائرين بدون
هدف، وحزب الجالسين، الذين يُدَخِّنون النرجيلة (الشيشة) التي انتشرت
كالوباء في مجتمعاتنا، وجماعة الجالسين في المطاعم كل يوم في مكان سعيًا
وراء شهوة البطن.
ومن أبنائنا الطلاب من استغنى عن كل ذلك بجهاز الكومبيوتر، وليته يسعى
بحثاً عن معلومة أو سعياً وراء معرفة جديدة، بل ليدور في دوائر المواقع
الهدّامة.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن من أبنائنا من تربى على الصلاح وأصبح قلبه
معلقاً بالمساجد، ولكن ما إن تنتهي الصلاة حتى تغلق أبوابها في وجهه،
فقليلة هي المساجد التي لا تغلق أبوابها، وتقدم البرامج الثقافية، ودروس
تحفيظ القرآن الكريم وتنظم المسابقات.
ومن اللافت أن نعلم أنه قد صدر عام 1970م ميثاق الفراغ الدولي في جنيف،
حينما اجتمعت ست عشرة دولة أصدرت الميثاق، وكذلك تم تأسيس الاتحاد الدولي
لأوقات الفراغ ومقره نيويورك، لكن المؤكد أنه قبل هذه المواثيق بألف
وأربعمائة سنة خلت، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجّهنا بدعوة
تربوية صريحة للاستفادة من وقت الفراغ بقوله - صلى الله عليه وسلم - من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «اغتنم خمساً قبل خمس، وفيه: شبابك قبل هرمك،
وفراغك قبل شغلك». [رواه الحاكم وصححه].
وفي السياق نفسه يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع»
وذكر منها: «عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه».
[رواه الترمذي عن أبى بردة].
الفراغ أساس الانحراف
يقول د. عبد الله فاضل أستاذ الصحة النفسية: إن أضرار الفراغ على النشء
والمجتمع، وما قد يسببه من جنوح وانحراف لهؤلاء الفتية واضحة غير خفية،
فالفراغ ينعكس على صورة الفرد عن ذاته، إذ يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى وبلا
منفعة، أصبح إنساناً بلا هدف، وحياة بلا روح، ولا معنى لوجوده، مما يجعله
يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسية، بعيداً عن المواجهة وتحمّل
المسؤولية، فنجده قد يستخدم المسكرات والمخدرات، والبحث عن الرذيلة علَّه
يجد متعة أو لذة.
ولقد بيّنت الأبحاث والدراسات التي أُجريت على مرتكبي الجرائم والمخالفات
أن الفراغ هو المحرك لكل النوازع المكبوتة، والرغبات الشهوانية.
نحو تخطيط متكامل
يرى د. مسعد عويس ـ رئيس جهاز الرياضة المصري سابقاً ـ أن كيفية قضاء
الإجازة الصيفية بشكلٍ مفيدٍ يملأ الفراغ، ويحرك الطاقات، لا يشغل الطلاب
وأسرهم فقط ، بل تتنافس المؤسسات المعنية على وضع برامج لهذا الغرض، وتحرص
هذه المؤسسات على ألاّ تخلو البرامج من الترفيه بعد عامٍ دراسي طويل، لكنه
الترفيه الممزوج بالمتعة والفائدة.
ويطالب د. مسعد عويس بأن يكون تخطيط برامج العطلة الصيفية لأبنائنا من
الصغار والكبار مؤهلاً لبناء طفل، ومراهق، وشاب قادر على خدمة مجتمعه، من
خلال الدورات التدريبية، والاجتماعية، والثقافية، والصحية، والفنية،
والاستشارات الأسرية، واستخدام أفضل أساليب توصيل المعلومات، والتركيز على
القيم، والتميز في خدمة الوطن، والسعي إلى استغلال وقت أبنائنا خلالَ
العُطلة الصيفية، وإخراجهم من جو المدرسة إلى جو المرح، والرفاهية،
والمعرفة، وتنمية روح التعاون بين الجميع.
ما أحوجنا إلى مثل هذه المشاريع التي تساهم إسهاماً فعّالاً في تنمية
مهارات وإبداعات أولادنا، واستغلال فترة الإجازة في المعرفة، وتشغيل
اليدين، والحواس بالعمل والنشاط، الذي أصبح يفتقده الكثير من أولادنا مع
الثورة التكنولوجية التي دخلت في جميع مجالات حياتنا.
ولا سيما لو تم تفعيل دور المدرسة والمعلم، من خلال دورات للتواصل ما بين
المدرسة والمدرس، ، واستعراض المهارات المختلفة، وكذلك عن طريق دورات
لمعرفة السيرة النبوية، وحفظ القرآن الكريم يكون لها جوائز جيدة.
وينبغي تصميم برنامج ترفيهي يحتوي على برنامج رياضي كامل، وزيارات ميدانية
لبعض المؤسسات الخاصة، والعامة.
ويطالب د. مسعد عويس بإقامة معسكرات عمل للشباب للتدريب العسكري في فترات
إجازتهم، لتُنمِّي فيهم روح البطولة، ولتكونَ بمثابة متنفس نظيف لطاقاتهم
المخزونة في كيانهم.
دراسات ضرورية
د. فوزية مصطفى ـ أستاذ علم الاجتماع ـ تقول: نتطلع إلى دراسة أو أكثر في
كل دولة عربية على حِدَة، للتعرّف على حجم مشكلة الفراغ بين الشباب
والفتيات وأسبابها، والتعرّف على الأماكن التي يفضل الشباب والفتيات
التردّد عليها لشغل وقت فراغهم، والتعرف على نوعية الأنشطة التي يفضل
الشباب والفتيات ممارستها لشغل وقت الفراغ، والتعرف على بعض الاتجاهات
التربوية في تنشئة الأبناء والبنات، وتحديد أهم حاجات شباب وفتيات دولنا
العربية لقضاء وقت الفراغ، والتعرف على طبيعة الدور الذي تقوم به المؤسسات
الشبابية بهذه الدول، والتعرف على البرامج المخصصة للموهوبين وذوي
الاحتياجات الخاصة والجانحين، من أجل الإجابة على التساؤلات التالية: هل
يعاني شباب وفتيات دولنا العربية من مشكلة قضاء وقت الفراغ؟ إذا كان الأمر
كذلك: فما هو حجم تلك الظاهرة؟ وما هي الأماكن والأنشطة التي يفضل الشباب
والفتيات قضاء وقت فراغهم فيها؟ وما درجة استفادة الشباب والفتيات من
المؤسسات الشبابية القائمة لقضاء أوقات فراغهم؟
اهتمام خاص بالأطفال
أما الطفل الذي حصل على الإجازة، فهناك أنشطة تؤدي إلى تنمية ذكائه،
وتساعده على التفكير العلمي المنظم وسرعة الفطنة والقدرة على الابتكار.
من هذه الأنشطة - كما يذكر د. نبيل صبحي - مجموعة من الألعاب الذكية
المُنتقاة، التي لها دور تعليمي، فهي تنمي القدرات الإبداعية لأطفالنا.
فمثلاً ألعاب تنمية الخيال، وتركيز الانتباه، والاستنباط والاستدلال،
والحذر، والمباغتة، وإيجاد البدائل لحالات افتراضية متعددة، تساعد الأطفال
على تنمية ذكائهم.
ويجب الاهتمام أيضاً بالقَصص، فتنمية التفكير العلمي لدى الطفل يُعَدّ
مؤشراً هاماً للذكاء وتنميته، والكتاب العلمي يساعد على تنمية هذا الذكاء،
فهو يؤدي إلى تقديم التفكير العلمي المنظم في عقل الطفل، وبالتالي يساعده
على تنمية الذكاء والابتكار، ويؤدي إلى تطوير القدرة العقلية للطفل.
والكتاب العلمي لطفل المدرسة يمكن أن يعالج مفاهيم علمية عديدة تتطلبها
مرحلة الطفولة، ويمكنه أن يحفز الطفل على التفكير العلمي، كما أن الكتاب
العلمي هو وسيلة لأن يتفكر ويتمعن الطفل ببعض المفاهيم العلمية، وأساليب
التفكير الصحيحة والسليمة.
كما أن الرسم والزخرفة يساعدان على تنمية ذكاء الطفل، وذلك عن طريق تنمية
هواياته في هذا المجال، من خلال تقصّي أدق التفاصيل المطلوبة في الرسم،
بالإضافة إلى تنمية العوامل الابتكارية لديه عن طريق اكتشاف العلاقات
وإدخال التعديلات.
ضرورة الاهتمام بالرياضة
يقول د.حامد زهران أستاذ التربية: إن الابتكار يرتبط بالعديد من المتغيرات
مثل التحصيل، والمستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والشخصية، وخصوصاً النشاط
البدني، بالإضافة إلى جميع النشاطات الإنسانية، فالابتكار غير مقصور على
الفنون أو العلوم، ولكنه موجود في جميع أنواع النشاط الإنساني والبدني،
فالمناسبات الرياضية تتطلب استخدام جميع الوظائف العقلية، ومنها عمليات
التفكير، فالتفوق في الرياضة (مثل الجمباز والغطس على سبيل المثال) يتطلب
قدرات ابتكارية، ويُساهم في تنمية التفكير العلمي، والابتكاري، و تنمية
الذكاء لدى الأطفال والشباب.
والاهتمام بالتربية البدنية السليمة مطلوب، وكذلك النشاط الرياضي مطلوب من
أجل صحة أطفالنا، ومراهقينا، وشبابنا، وصحة عقولهم، وتفكيرهم، وذكائهم.
ولذلك فإن الاشتراك في الأنشطة الرياضية بمختلف أشكالها، يساعد حتماً في
تنمية حب ممارسة الرياضة في نفوس الأبناء، فالرياضة لها دورٌ كبيرٌ في زرع
الثقة بالنفس وقوة الشخصية وتكوين عَلاقات اجتماعية جيدة، وشغل أوقات
الفراغ بما يفيد.
وللرياضة أثرٌ بالغ في البُعد عن أصدقاء السوء، ولها أثر واضح في زيادة
الثقة بالنفس، وأيضاً تقيهم من الانحرافات السلوكية، ومن تعاطي المخدرات،
فممارسة الرياضة تجعل الإنسان مهتماً بصحته، وتدعو إلى زرع الثقة بالنفس،
وقوة الشخصية، مما يعزز من قوته في محاربة هذه الآفة.
كما أن الاهتمام بممارسة الرياضة هو من الأمور التي دعانا إليها ديننا
الحنيف، فقد قال تعالى : {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الْأَمِينُ} [القصص:26]، وقال عمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
استغلّوا أوقات فراغهم فنبغوا
يذكّرنا المهندس محمود صميدة بأن هناك الكثير من العلماء العالميين الذين
استغلوا أوقات فراغهم فنبغوا، وابتكروا، وأدهشوا العالم، فقد كان (تشارلس
فروست) إسكافياً، ولكنه استطاع أن يصبحَ من البارزين في الرياضيات بتخصيص
ساعة واحدة من يومه للدراسة.
وكان (جون هتنر) نجاراً، ثم شرع يدرس التشريح المُقارن في أوقات فراغه،
مخصصاً لنومه أربع ساعات فقط من الليل، حتى أصبح حجة في هذا الميدان.
واستطاع (سير جون لايوك) أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل - بوصفه مديراً
لأحد المصارف - ساعاتٍ يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح عَلَماً بين
المؤرخين.
وتعلم (جورج ستيفنسون) الحساب في أوقات نوباته الليلية، وتمكن مستعيناً
بهذا العلم أن يخترع القاطرة.
ودرس (جيمس واط) الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة، فأمكنه أن
يخترعَ محرك البخار.
الإسلام ووقت الفراغ
يقول الشيخ مصطفى أبو العلا: الفراغ وحش مخيف يفترس الإنسان العاطل، وهو
من أقوى أسلحة الشيطان ضد الشباب. والمجتمعات التي لا تستثمر شبابها، إنما
هي مجتمعات تنتحر انتحاراً بطيئاً.
ويوجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النظر إلى أن الوقت من النعم التي
لا يشعر بها الإنسان فيقول كما عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
والأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ، بمعنى عدم العمل، لا
للدنيا ولا للآخرة، فحياة المسلم كلها عبادة، فهو مطالب بملء الوقت كله في
عبادة الله، بمعناها الشمولي العام لجميع جوانب الحياة، حيث تصبح جميع
جوانب حياة المسلم تعبدية إذا اقترنت بالنية الصالحة، في العمل، أو الفكر،
أو السكون، أوالحركة، أو الجــد، أو المــرح، أو القتال، أو اللــهو، أو
الأكــل، أو الشرب، أو النوم، أو العلم، أو غيرها من الأعمال.
إلاّ أن واقع المسلمين بشكل عام يشهد بضد ذلك، وكل متأمل لواقع الأمة يرى
أن الفراغ في المجتمع الإسلامي الحديث أصبح عمرًا مُهدرًا، بل وعبئًا على
حركة المجتمع نحو التقدم. فهو يمثل طاقة استهلاكية، أو يغذيها، أو يمهّد
لها سُبُلها دونَ أن يقابلَها بدفعة إنتاجية، أو تنمية ماهرة، أو إبداع
فكري جديد.
- عاشق الاقصىالادارة
[
عدد الرسائل : 4532
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 20/12/2008
رد: الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الأحد يوليو 04, 2010 7:09 pm
جزاك الله كل خير وبارك الله بك
وجعله في ميزان حسناتك ونفعنا واياك بما كتبت
اسعدني مروري على متصفحك العطر
بانتظار المزيد من الابداع والتيميز
دمنا واياك بحفظ الرحمن
وجعله في ميزان حسناتك ونفعنا واياك بما كتبت
اسعدني مروري على متصفحك العطر
بانتظار المزيد من الابداع والتيميز
دمنا واياك بحفظ الرحمن
رد: الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الإثنين يوليو 05, 2010 4:49 am
جزاك الله خيرا
اسعدني ردك وتواصلك
بارك الله فيك
اسعدني ردك وتواصلك
بارك الله فيك
- *زهرة المنتدى*الادارة
[/img] https://i.servimg.com/u/f30/12/70/69/64/rle62511.gif [/img]
عدد الرسائل : 5887
العمر : 31
الموقع : في بلاد الله الواسعة
تاريخ التسجيل : 20/12/2008
رد: الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الإثنين يوليو 05, 2010 5:09 am
الف شكر لكاتب\ة الموضوع على مشاركتك
القيمة
والرااائعة
طرح روووعة من عضو\ة رووووعة
دمت مبدع\ة
ورااائع\ة
تحياتي
لك
- نسمة المنتدى ^_^الادارة
عدد الرسائل : 5529
العمر : 30
الموقع : في بلاد الله الواسعة
تاريخ التسجيل : 20/12/2008
رد: الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الأربعاء يوليو 07, 2010 10:22 am
يعطيك العافية اخي بارك الله فيك
وجعله الله في ميزان حسناتك
تسلم دياتك
وجعله الله في ميزان حسناتك
تسلم دياتك
رد: الإجازة ووقت الفراغ، مشكلة الصيف الكبرى!
الثلاثاء يوليو 13, 2010 10:56 am
وانتم من اهل الجزاء
اسعدني مروركم وردودكم
اسعدني مروركم وردودكم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى