ورحل أحد رؤوس مثلث علم الأصول !
السبت يونيو 12, 2010 6:13 am
ورحل أحد رؤوس مثلث علم الأصول ! |
عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل |
ليأذن لي د. سعد بن مطر العتيبي، دكتور السياسية الشرعية بالمعهد العالي للقضاء على وضع عبارة في عنوان مقالي قرأتها في أحد تعليقاته، وأعلم أن د. سعد لن يمانع حفظه الله . رحل "أحدُ رؤوس مثلث علم الأصول" الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن قاسم آل غديان، رحمه الله... رحل بعد أن قضى حياته بين العلم والتعلم والتعليم والقضاء والإفتاء والتدريس... لست بصدد سرد ترجمة للشيخ ابن غديان، فقد كُتب عنه الكثير، رحمه الله، ولكن كم من الناس يعرف الشيخ ؟! أعلم بداية أن الشيخ، رحمة الله عليه، لم يكن يبحث عن شهرة أو تلميع، لأن أمثال هؤلاء العلماء عندهم من الزهد والورع ما يجعلهم يبتعدون عن البهرجة الإعلامية، والظهور الإعلامي، وهكذا هم علماء بلادنا، رحمهم الله . لو قامت قناة تلفزيونية فضائية بعمل برنامج تطرح من خلاله سؤالاً عن موت الشيخ ابن غديان، فما ظنكم؟! في ظني - وأرجو أن أكون مخطئاً - سنسمعُ أجوبة ربما تسمع باسم الشيخ لأول مرة في حياتهم! بينما لو سُئلت شريحةٌ منهم عن لاعب، أو مغنٍ، أو ممثلٍ لبادروا بالجواب السريع الصحيح الذي لن يأخذ سوى ثوانٍ معدودة، وهذا ولا شك أنه بسبب الثقافة التي تطرح في وسائل الإعلام، وهي ثقافة تمجيد وتلميع أمثال هؤلاء، وتقديمهم على علماء الأمة، ولا شك أنه مسخ لشباب الأمة، وقطعهم عن تراث علماء الأمة، نسأل الله لهم الهداية . نبكي لرحيل الشيخ ابن غديان – رحمه الله - لأنه قدم للأمة علم الكتاب والسنة، كان عالماً زاهداً ورعاً، درس على يد أكابر علماء البلاد، فهو من تلاميذ مدرسة ابن باز، والشنقيطي، وعفيفي، رحم الله الجميع، فما ظنكم بمن شيوخه هؤلاء النجوم؟ برحيله فقدت الأمة عالماً أصولياً فذاً، تخرج من مدرسة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، رحمه الله، في علم أصول الفقه، فأخذ عنه فبرع فيه دراسة وتدريساً وتأصيلاً، فجعله من علوم الآلة التي لا يستغنى عنها، ويحكي الشيخ ابن غديان عن مدى الاستفادة من الشيخ عبد الرزاق عفيفي قائلاً : "لقد استفدت من الشيخ عبد الرزاق فائدة لم يستفدها أحد مثلي"، وقال : إن الشيخ عبد الرزاق قال : لم يستفد مني أحد كما استفاد عبد الله بن غديان. قال الشيخ عبد الله: وقد عرفت الشيخ من عام 1374 هـ ولزمته ما أمكنني حتى توفي في عام 1415 هـ " . عُرف الشيخ بمشاركته في برنامج "نور على الدرب" في إذاعة القرآن، وكنتُ أحب الاستماع إليه لما تميز به من طريقة اختصار الإجابة على السؤال، وأظن ليجيب على أكبر قدر ممكن من الأسئلة، وعندما يجيب على السؤال يبدأ مع كل سؤال يُطرح عليه من المقدم بعبارة : "الجواب..."، ويختم جوابه على كل سؤال بعبارة: "... وبالله التوفيق"، وكانت طريقة وعبارة تميزه عن غيره من العلماء في البرنامج، يبدأ ويختم بها جوابه على الأسئلة، رحمه الله . رحيله – رحمه الله - لا شك أنه يعدّ ثُلمةً في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، كما قال الحسن البصري، نسأل الله أن يعوض الأمة خيراً . وبرحيل هؤلاء العلماء من أمثال الشيخ ابن غديان عن الدار الفانية يرحل معهم علمهم، ولذلك قال يحيى بن جعفر : " لو قدرتُ أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل – يعني البخاري – من عمري لفعلتُ، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم " . بل إن قبض العلم وفشو الجهل من أشراط الساعة الصغرى، كما صحت بذلك الأحاديث . وحديث النبي صلى الله عليه وسلم المعروف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " . متفق عليه . وبعد رحيلهم ورحيل حملة علم الكتاب والسنة تكثر الرؤوس الجهال ممن يحكمون بجهالاتهم لا كثرهم الله، والتي خرجت علينا بعد موت العلماء، كابن باز وابن عثيمين والألباني – رحمهم الله – فكيف بعد رحيل الشيخ عبد الله بن غديان رحمه الله؟ واسمحوا لي، أعلم أنني لو تركتُ العنان لقلمي لمواصلة الكلام عن العلامة الأصولي الشيخ عبد الله بن غديان، لن أوفيه حقه، وربما لن تنتهي الحروف والكلمات، وحسبي هذه السطور المعدودة أقدمها بين يدي محبي الشيخ اعترافاً مني بفضل وعلم العلامة ابن غديان رحمه الله، وحزناً على رحيله، فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا شيخ عبد الله لمحزونون . اللهم اغفر لعبدك عبد الله بن غديان، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وارفع منزلته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً . |
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى